-->

إنجاز متميز في مهارة تخيل حكاية عجيبة (2)

* نص الموضوع :

جاء في نهاية نص "رحلة الفرسيوي" قول السارد: "وقد خضته تجربة المدينة الأولى وملأته فجأة برغبة في الجلوس على صخرة الجماعة وتقديم حكايته للجالسين".
تخيل أن الفرسيوي صادف في طريق عودته إلى الريف كائنا خرافيا.. اكتب حكايته مع هذا الكائن مستثمرا ما درسته في مهارة تخيل حكاية عجيبة أو من الخيال العلمي.

نموذج متميز: 

بعد أن انتابت الفرسيوي رغبة في الرجوع إلى القرية، جمع الرحال التي لم يكن قد حطها بعد ثم عاد من حيث أتى، عاد ليسلك من جديد تلك الطريق التي جاء منها، فانتقل من جبل إلى آخر ومن أرض إلى أخرى، أياما وليالي طويلة إلى أن قاده حماره إلى أرض غريبة لم يرها من قبل، نباتات غريبة وأنهار عجيبة وهضاب ملونة لم يشهد لها مثيلا، فاكتشف أنه قد ظل الطريق. التفت يمينا
حكاية عجيبة مع طائر الرخ
وشمالا فما بدا له أنه قد مر من هذه الأرض من قبل، تابع طريقه مشيا عسى أن تقوده قدماه إلى الدرب الصحيح. و فجأة، لمح من بعيد قبة ناصعة البياض فتوجه مع حماره نحوها آملا أن يجد بها من يدله طريق العودة، اقترب منها فلم يجد لها بابا ولا نافذة ولا سمع صوتا يصدر منها، فتساءل : "ما هذا الشيء يا ترى؟! فإن كان قبة فما أجدها تشبه قباب فاس! وإن كان بيتا فلم أسمع يوما عن بيت بلا باب ولا نوافذ. فما هذا الشيء ؟!! ".
سكت قليلا ثم تمتم بصوت خافت : "كتلة كروية ضخمة بيضاء، ربما تكون بيضة، نعم! بيضة لطائر ضخم"، ما أن نطق الفرسيوي بهذه الكلمات حتى أدرك غرابة ما يقول فنظر إلى حماره وقال: "ما هذا الكلام الذي أهلوس به؟! لقد جننت لا محالة، لا شك أن الشمس فعلت فعلتها بي" ثم أردف: "لنذهب من هنا".
وفجأة، غاب نور الشمس وحل الظلام في بضع ثوان، استغرب الفرسيوي ونظر إلى السماء ففزع لهول المنظر، طائر ضخم يمتد بجناحيه بين طرفي السماء ويغطي الشمس فيحجب أشعتها، لم يصدق الفرسيوي ما رأته عيناه، فتساءل في نفسه: "ما هذا الكائن الغريب؟! هل ظللت الطريق وغصت في مغامرات السندباد؟! " لكن فجأة توقف عن التفكير وأيقن بالهلاك، فما لبث أن أمسك بحماره وأطلق ساقيه للريح، وركض بأقصى ما أوتي من جهد، لكن الطائر لم يغفل حركتهما السريعة فاتجه نحوهما بسرعة البرق وانقض عليهما بمخالبه كما ينقض على فريسته، ثم حملهما وأرجعهما إلى مكانهما، وأفلتا من مخالبه التي كادت تخرق جسميهما. وقف الفرسيوي مذعورا مرتجفا ممسكا بصدره خشية أن يخرج قلبه من شدة النبض، أما حماره فقد خانته رجلاه وسقط على الأرض من شدة الفزع. وفي هذه الأثناء، بدأ الطائر الضخم كلامه بصوت سُمع صداه في المكان، فقال :" أنا الطائر العظيم، أنا طائر الرخ، وهذه بيضتي التي أردت سرقتها، لذا لن أرحمك وسأقتلك شر قتلة، فتمن آخر حاجة لك في هذه الدنيا قبل هلاكك" و من هول المفاجأة قال الفرسيوي متلعثما: " لا، ليس كذلك، لم أكن أريد أن أسرقها إنما ظللت الطريق وأردت البحث عمن يدلني." قاطع طائر الرخ كلام الفرسيوي ورد قائلا: "لا تحاول أن تتذاكى أيها البشري، فلن تقنعني بكلامك ثم إنني رأيتك وأنت تحوم حول البيضة وتحاول سرقتها" فرد الفرسيوي قائلا : "أقسم أنني لم أنو سرقتها، ثم إني رجل فقير لدي أهل يرتقبون عودتي، أفلا أجد في قلبك نسمة رحمة تعطف بها علي؟" فقال الطائر: "لا تحاول أن تستجلب عطفي وإشفاقي، فإنك لن تجدي من ذلك نفعا لأنني لم أترك قط أحدا أراد أن يلحق الأذى بفراخي إلا أهلكته، ما عدا إن فقست البيضة قبل أن أقتله لكن لا تستبشر فبيضة طائر الرخ لا تفقس حتى تستكمل خمسة وخمسين عاما، وبما أنها لم تكمل إلا الخمسين فأيقن بأنني سأقتلك لا محالة، وتمن آخر حاجة لك في هذه الدنيا". استسلم الفرسيوي حين سمع كلام الطائر الضخم وعلم أنها آخر لحظات من حياته، فاستأذن ليناجي ربه ويدعو لنفسه ولأهله ما استطاع من الدعاء، فسجد ودعا الله أن ينجيه ويفرج همه وهم أهل قريته، فما إن قام من سجوده حتى سمع صوتا غريبا يصدر من خلفه، التفت وعلم أن الصوت إنما مصدره شق أحدث في البيضة الضخمة، اندهش الفرسيوي مما رأى وظل يتابع بإمعان ما آلت إليه البيضة حتى خرج منها فرخ طائر الرخ، اندهش الكل من هذا المشهد بما فيهم الحمار نفسه، لكن فرحة الطائر الضخم جعلته يحتضن صغيره بعناية، ثم التفت نحو الفرسيوي قائلا: "لا شك أنك رجل محظوظ، بل محظوظ للغاية لأنك نجوت بأعجوبة! وكما وعدتك فسأفي بوعدي وسأطلق سراحك، لكن قبل أن ترحل سأحقق لك رغبة من رغباتك فاطلب ما شئت".اطمأن الفرسيوي عند سماع كلام طائر الرخ، فتنهد تنهيدة عميقة طويلة ثم قال: " يا أيها الطائر العظيم، لقد خرجتُ من قريتي وغادرتها مكرها فما كنت لأهجر أرض أجدادي لولا الجدب، وما كنت لأفارق أهلي لولا الثأر، فما أطلبه أن يهجر الجدب والثأر قريتنا فنعيش في رخاء وسعادة واطمئنان".ابتسم الطائر عند سماع طلب الفرسيوي ثم قال: "لك ما شئت" فأخرج من بين ريش جناحه ثلاثة بذور ذهبية وأعطاها للفرسيوي وأمره أن يزرعها بعناية ويرعاها، ثم حمل الطائرُ الفرسيويَّ وحمارَهُ وحلق بهما بين السحب حتى أنزلهما عند صخرة الجماعة. اندهش أهل القرية من منظر الطائر العجيب واستغربوا مما حكاه الفرسيوي، حتى ظن البعض أنه قد جن في حين ردد آخرون أن أهل القرية قد جنوا بكاملهم، لكن الفرسيوي تذكر أمر البذور الذهبية فركب حماره وأسرع إلى حقله ثم زرع البذور الثلاث بحلول المغيب فعاد إلى كوخه آملا أن تتحقق مناه.في صباح اليوم التالي، استيقظ الفرسيوي على أصوات أهل القرية وهم يرددون: "اخرج يا فرسيوي، اخرج لترى ماذا أنبتت بذورك الذهبية"، فقام مسرعا واتجه نحو الجماعة واندهش حين وجد أن البذور الثلاث أنبتت ثلاثة ثمار ضخمة ذهبية، فاستغرب الكل وتساءلوا عما يوجد في لب هذه الثمار، أسرع أهل القرية وأحضروا منشارا ثم اثنين، فتحلق الريفيون حول الثمار الثلاث وبسملوا، ثم جرت كل مجموعة المنشار مرة ثم ثانية وفي المرة الثالثة، سُمع صوت كالجرس فتألق المكان بنور قوي نابع من الثمرات لف بأشعته كل القرية، فاختفت الحقول القاحلة وحلت محلها بساتين تكسوها الخضرة والورود، أما كوخ الفرسيوي فقد تحول إلى قصر كبير كقصور الملوك به الخدم الكثر والمأكولات اللذيذة والملابس الفاخرة، أما حماره الأشهب فقد أصبح حصانا أصيلا ناصع البياض، ففرح الفرسيوي وأهل القرية بالنعم التي أُكرموا بها، ونسوا ما كان بينهم من ثأر وما عانوه من الجدب فعاشوا منذ ذلك اليوم في سعادة و هناء. وذاع صيتهم في كل الأرياف ولم ينس الناس قصتهم الخالدة التي توارثتها الأجيال.


من إنجاز التلميذة : أمينة موركي - 3/1