-->

ذكريات الإصابة بالمرض - نموذج متميز في كتابة السيرة الذاتية

*نص الموضوع:

 ألم بك في يوم من الأيام ، مرض عانيت منه لمدة ما.
اسرد تجربة معاناتك مع هذا المرض وفق ما اكتسبته من خطوات كتابة سيرة ذاتية.

انتهت مدة إقامتي داخل رحم أمي في الثامن عشر من يونيو سنة 2001 بعد عراك طويل مع المولدة. استسلمت لقدري وخرجت إلى الدنيا لأدشنها بصرخة مدوية أدخلت الفرح والسرور في قلب والدتي ومن معها في الغرفة.
يُروى لي أني كنت كثيرة البكاء، أهز أركان البيت بصراخي ، لا أترك شيئا في مكانه، ولا يهنأ لي بال حتى أقلب مزاج من معي.

طيلة السنوات الخمس الأولى من طفولتي كنت كثيرة الشغب..أنتقل في أرجاء المنزل بخفة ونشاط وبدون كلل أو ملل.. إلى أن جاء اليوم المشؤوم.. نعم ذلك اليوم الذي أصبت فيه بمرض جلدي نتيجة عدوى من زميلتي في الروض. بثت الليلة بكاملها أصرخ من الألم، وأقنع نفسي بأن البراغيث هي المسؤولة عن حالتي.. إلى أن جف نهر الأعذار وتصحرت واحة الصبر، فما كان بيدي سوى تفجير بركان الغيظ الذي بداخلي على مخدة كانت قربي، شرعت في عظها حتى خيل إلي في لحظة من الهديان أن المخدة المسكينة تطلب النجدة.. لكنني، مع ذلك، لم أتركها حتى سطعت شمس الصباح حاملة يوما جديدا قضيته رفقة أمي في عيادة الطبيب الذي وصف لي مهدئات تناولتها ليلا للتخفيف من الحكة الناتجة عن البثور الهائجة.

لازمني المرض مدة أسبوعين كاملين، ولم يفارقني خلال أيامهما دقيقة واحدة، وأجبرني على الصراخ صباح مساء.
أذكر أن درجة حرارة جسمي ترتفع ليلا فأبدأ في الهلوسة، وأعيش مشاهد متناقضة وغريبة ، مشاهد تبدو لي مرعبة أحيانا فلا أقوى على تحملها ، أو تبدو كوميدية فأغرق بسببها في دموع الضحك. أما في الصباح، فشدة حرارة المنزل تزيد من هيجان البثور، فأرفع صوتي بالصراخ إلى أن يسمعه الجيران.

تناولت الدواء طيلة هذه المدة مما جعل هذا الضيف العدو يرحل أخيرا، وقبل رحيله بشكل نهائي، التقطت صورة كتذكار على تلك الأيام التعيسة لتكون شاهدة على معاناتي.

في كل مرة أسافر فيها إلى المستقبل أختار قطارا يقوى على حمل حقائب أحلامي وذكرياتي خلال السفر لكي لا أنساها، لأني أرى سوق الحياة مليئا بالعجائب التي تصادفني، والتي لا يجب رميها على أرض الزمن والدوس عليها، بل أومن بضرورة أخذها معي إلى أي مكان أقصده لتبقى ذكرى مغروسة في عقلي ومحفورة في قلبي. ولعل هذا هو السر في أنني ما زلت أحتفظ بذكريات مع ذلك المرض رغم مرور أزيد من عشر سنوات على تاريخ الإصابة به.

بقلم : سلمى خيرات الله (الثالثة: 8)